فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
ودام معها ليلته كلها، والبدر لا يعرف السرار، والبحر لا يدرك له قرار، والشموع كأنها عشاق تجري دموعها وتلتهب قلوبها الحرار، حتى هم الفجر أن يبوح بسره المكتوم، ويفك عن سفط النجوم طوابع الختوم، وقطرت أعطاف السحب متصببة، وجرت [ص ٤١٦] دموع النرجس في خدود الشقيق متصوبة، وقارب طلوع الصباح والجو بين برديه، وسيف البرق بين غمديه، واضطرب النسيم مذبذبا مبلبلا تلك الحدائق، واضطر الفجر إلى أن يقبل في ثغر الصبح المفتر تلك العقائق، فأشرف الملك الكامل، ومن مجر الرعد قد هول، والصباح الآتي قد فض ذيل الليل وقصر منه ما طول، فدعاها إلى الصبوح، وأقام بوجهها عذره عند الدهر الصفوح، فلما دارت به الحميّا، وذكرته هندا وميّا، أمرها أن تصنع لحنا في شعر بعض متيمي العرب، فصنعت في شعر ذي الرمه:«١»[الطويل]
أراني إذا هومت ياميّ زرتني ... فيا نعمتا لو أن رؤياك تصدق «٢»
يلوم على ميّ خليلي وربما ... يجور إذا لام الشفيق ويحرق
غداة منى النفس أن تسعف النوى ... بميّ وقد كادت من الوجد تزهق
لها جيد أم الخشف ريعت فأتلعت ... ووجه كقرن الشمس ريان يشرق «٣»
فوقع منه موقعا كان يجتذبه، ويأخذ بسمعه إليه ولو أراد أن يجتنبه، ثم أفاض عليها سجاله، ووسع في الكرم عليها محاله ومما يتبقى من محاسن هذه القصيدة المختار منها الصوت:«٤»