فلم يبق في المجلس إلا من مال، ودب للسكر بطربها في مفاصلهم نمال، واستدعى بها يوما وهو بداره بالفسطاط «٢» المطلة على النيل، وقد نضدت رواشنها «٣» ، وتلبثت قدامها أنواع المسك، وبرزت وعليها جواشنها «٤» ، والنيل قد صفى مشربه، وخفي بتكاثر الأمواج مسربه، والبرق قد كحل جفن السحاب بمروده، والليل قد ذرّ في عين الشمس من إثمده «٥» ، والهلال بقطع الغيم قد احتجب، والهلال المولي قد بلّل جناحه ليطير، وهذا من العجب في وقت غفل عنه الرقيب، ولم يحضره إلا مثل إسحاق أو حبيب، وأقبلت تحدثه وتغنّيه، وتفتح على يديه السؤل وتمنيه، وممّا غنته من أصواتها، والشعر قديم:[المنسرح]
دعه يداري فنعم ما صنعا ... لو لم [يكن] عاشقا كما خضعا «٦»
وكل من في فؤاده وجع ... يطلب شيئا يسكن الوجعا
وا رحمتا للغريب في البلد النا ... زح ماذا بنفسه صنعا