مآرب الناس منزلة بحسب قربها، وأولاها بأن يعتده الخاصة ملعبا والعامة مكسبا: الصيد الذي هو رائض الأبدان، وجامع لشمل الإخوان؛ ولما كانت الجوارح المثمنة، ليست لكل الناس ممكنة، بل لمن عظم شأنه وحاله، وجمّ نسبه وماله، جعلت القول مقصورا على قسي البندق، التي لا تتعذر على مكثر ولا مملق؛ وأنا أكتفي في ترغيب من كان عنه منحرفا، وتثبيت من كان إليه متشوفا، بوصف موقف منه شهدته في بعض ظواهر مدينة السلام، وهناك غيضة ذات ماء أزرق، وشجر مرجحنّ «٢» مورق؛ فبينا أنا قائل فيها، ومنتزه في نواحيها، وقد تأودت في حلل الورد شجراؤها، وتفاوحت بروائح المسك أنوارها، إذ أقبلت رفقة قبل الدرور والشروق، وشمرت عن الأذرع والسوق، مقلدين خرائط تحمل من البندق الموزون الملوم، ما هو في الصحة والاستدارة كاللؤلؤ المنظوم، كأنما خرط بالجمر، فجاء كبنان الفهر؛ وقد اختبر طينه، وملك عجينه، كافل مطاعم حامليه، محقق لآمال آمليه، ضامن لحمام الحمام، متناول لها من أبعد مرام؛ يعرج إليها وهو سمّ ناقع؛ ويهبط إليهم وهو رزق نافع؛ وبأيديهم قسي مكسوة «٣» بأغشية السندس، مشتملة منها بأفخر ملبس، مثل الكماة في جواشنها «٤» ودروعها، والجياد في جلالها وقطوعها؛ حتى إذا جردت من تلك المطارف، وانتضيت من تلك الملاحف، رأيت منها قدودا مخطفة رشيقة، وألوانا معجبة أنيقة، صلبة المكاسر والمعاجم، نجيبة المنابت والمناجم، خطية الانتماء والمناسب، سمهرية الاعتزاء والمناصب؛ تركبت من شظايا الرماح الراعبية، وقرون