واستدم، واستمك ظهور الموائد واستنم؛ ولو رفسك بخفه البعير، نزّله منزلة القرص الكبير، واهجم على الرغيف، ولو أنه الغريف «١» ، وهاجم على الفريسة كالأسد، وأدخل الطّعام على الطّعام ولو فسد، وغالب البخلاء على أموالهم ولا تفكر في أحد، وطالب من لا لك عنده شيء ولا يضرك من جحد، واضرب الحيس بالحيس، وكل السخلة والكبش والجدي والتيس، وكبّ جموع ربيعة على مضر ويمن على قيس، ولا يلج في مسامعك عذل عاذل، ولا يرد يدك منع بخيل ولا بذل باذل، ولا يغب عنك الماء لتسويغ الغصص، وإرفاد الطعام به بالقفص، وعليك بالعزائم وإياك والرخص، والحذر كل الحذر من الكسل والتواني، والقعود عن المواضع التي تطلب إليها القراء والمغاني؛ فإن كل هذه المظان، والمظانّ التي تسلط فيه السكين على الضان، فما كل وقت تصبح وليمة، ولا كل حين تمضي عزيمة، والإنسان الشاطر من أكل أكل البهيمة، وما كل أوان يتبوأ الآكل دار مضيف يحلّها، وينعم في جنات جفان أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها
«٢» ، فلا يؤخّر يوم سرور ينتظر له غدا، ولا يشيل لعشاء من غدا، ولا يفوت دعوة كريم يضيف يديه في داره ويقول: وَكُلا مِنْها رَغَداً
«٣» ؛ ومر أعوانك فليحمدوا الله الذي أطعمهم من أموال خلقه، وجعل أيديهم تعاجل يد صاحب الطعام في سبقه، وأوصهم بالشكر وقل لهم: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
«٤» ؛ والله تعالى يمتعه بما وهبه من بطن لا يشبع، ونفس أدنى من نفس أشعب الطماع وأطمع، وسبيل كل واقف عليه الانتهاء إلى ما يتقدم به من الأمر، وسلوك مسلك أصحاب أبي نعامة معه حتى يأكلوا معه الجمر، ومن خالفهم منهم يسقط من جريدة هذا الحساب، ويوقف وراء الحجاب، وأدّب بين الطفيلية أدبا