وسيلة، وإلا فالمشرق من كتابه المتأخرين من اقتطف الزّهر والزّهر، وجر ردنه على المجرة والنهر، وأتى بما هو أضوع من العبير، وأضوأ من جبهة القمر المنير؛ وردوا غدر البلاغة فشربوا زرق نطافها، وساموا رياض البراعة وشرعوا في قطافها، فولدوا المعاني واخترعوها، وابتدؤوا أحسن الطرق وابتدعوها؛ وفتن الألباب كلامهم الدّرّ، ولفظهم الرقيق الحرّ؛ وأدعى قول نقوله للحقّ: إنّ من لدن المئة الرابعة وهلم جرا أهل المغرب في هذه الصناعة أكثر رجالا وأهل المشرق أبرع رجلا، وإنما أردنا بتقديم من قدمنا ذكره من الوزراء والكتّاب، وإن لم يكن ما يؤثر عنهم ممّا يناسب درّه كله نظم هذا السّحاب، لإثبات الفضل للشرق على الغرب في تلك المدد الطوال والسنين الخوال، فإن الشرق كان معمورا بمثل هؤلاء، والغرب قفر يباب أكتب من فيه نقول له: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ
«١» على أن هؤلاء القدماء وإن لم يدخلوا في الغوص من هذا الباب، ولا أتوا باللّب اللّباب، فما فاتهم سابقة فضل في فضل، ولا قصّر بهم راية عن غاية، وفي أثناء ما ذكرناه دليل، لولا الاكتفاء به لبيناه مع سعة هذه المقدرة والتقدم في دول الخلفاء، والتقرب في خواطرهم إلى محل الاصطفاء، وما أجري لهم من الارزاق، أو جرى بهم من الأموال، وأقلها خزائن والإقطاعات، وأصغرها مدائن والنّفقات، وأهولها قناطير مقنطرة، والعطايا وبعضها جمل مستكثرة، والدولة الزاهرة وكانوا أطوادها، والصولة القاهرة وكانوا إذا رؤوا آسادها، والخلافة وكانوا عمادها، والإمامة وكانت أقلامهم سيوفها والسيوف أغمادها، والمفاخر وقد جمعوا شتيتها، والمآثر وقد استطابت على مطارف السّحاب مبيتها، واغتنام الأيام وصنائع ملكوا بها رقّ الأحرار، وأطافوا بها على الأكباد الحرار؛ فيا أيّها المباهي للمشرق بالمغرب، والمباهل في هذا الفضل المغرب، ها قد قلنا لك بعض