للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمال الصنعة بأفصح لسان، مشتملة على غرائب الإحسان؛ أنفس مدخر، وأغرب موشى، وأفخر مركوب، وأطرف محبوب، وأعجز موجود، وأبهر محدود؛ كأنما وسمها الكمال بنهايته، أو لحظها الفلك بعنايته، فصاغها من ليله ونهاره، وحلّاها بنجومه وأقماره، ونقشها ببدائع آثاره، ووشّى روضها بيانع أزهاره، ورمقها بنواظر سعوده، وجعلها بالكمال أحد حدوده؛ جامعة شتيتها بالقسمة والترتيب، بين زمني الشبيبة والمشيب؛ قيد الأبصار، وأمد الأفكار، ونهاية الاعتبار، بستان بسرج، وروضة بمرج، منزه على الحليّ عطلها، مزريّة بالزهر حللها؛ حدّ جنسها وعالم نفسها؛ صنعة المنشئ الحكيم، وتقدير العزيز العليم، فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ «١» .

ومن قوله قرين أسطرلاب أهداه: أجلّ الهدايا- يا سيدي أطال الله بقاءك- موضعا، وألطفها من الملاطف موقعا، ما لاءم الاختيار، ووافق الإيثار، وكان العقل أخص بفائدته، والفهم أحظى بيمن عائدته؛ ولما كنت- أيدك الله- ممن لا يتوصل المتوصل إليه إلا بما تنصف «٢» العادة الحكمة عليه؛ آثرتك- وفقك الله- ببرهان الحكمة ونسبها، ومدار الفلسفة وقطبها، ومرشد الفكر ومناره، وميزان الحسن ومعياره، ونافي الشك ومزيله، وشاهد العالم ودليله، ومصور الهندسة وممثلها، ومقسم البروج ومعدّلها، وموقف النّجوم ومثيرها، وجامع الأقاليم ومديرها؛ مرآة الحبك، وصورة الفلك، وأمين الكواكب، وحدّ المشارق والمغارب؛ مما اخترعت العقول تسطيحه، وأتقن الحساب تصحيحه، وتمارت الفطن في ترتيبه، واصطلحت الحكماء على تركيبه، فأوضحت باليقين تقسيمه، وأبانت بالكتابة قلمه ورسومه، إلى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>