وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى غريب وباب بديع، فيفرغ منها في الوقت والساعة، والجواب عمّا فيها.
وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه، فيبتدئ بآخر سطوره ثم هلم جرا إلى الأول، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه.
ويوشح القصيدة الفريدة من قبله بالرسالة الشريفة من إنشائه، فيقرأ من النظم ومن النثر؛ ويعطى القوافي الكثيرة، فيصل بها الأبيات الرشيقة.
ويقترح عليه كلّ عروض «١» ، فيرتجله في أسرع من الطرف على ريق لا يبلعه، ونفس لا يقطعه. وكلامه كله عفو الساعة، وفيض البديهة «٢» ، ومسارقة القلم، ومجاراة الخاطر [للنّاظر] .
وكان مع هذا مقبول الصورة، خفيف الرّوح، حسن العشرة، ناصع الظرف، عظيم الخلق، شريف النفس، كريم العهد، خالص الودّ، حلو الصداقة، مرّ العداوة.
فارق همذان [سنة ثمانين وثلاثمائة] وهو مقتبل الشبية، غضّ الحداثة، ووافى «٣» نيسابور فنشربها بزه، وأظهر طرزه، وأملى مقاماته وغيرها، وضمنها ما تشتهي الأنفس من لفظ أنيق قريب المأخذ، بعيد المرام، وسجع رشيق المطلع «٤»
والمقطع كسجع الحمام، ثم ألقى عصاه بهراة، فعاش بها عيشة راضية.
وحين بلغ أشده وأربى على أربعين سنة، ناداه الله فلبّاه، وفارق دنياه في سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة؛ فقامت نوادب الأدب، وانثلم حدّ القلم أنه على ما