غصنه؛ يستمد منه ودادا طالما تركه، ويستميل فؤادا كان يظنّ أنه قد ملكه؛ وإذا بحوادث الأيام قد غيرت ما عهد، وحسنت له بذل ما كان يضنّ به فلم يفد:
أما بعد: فقد وردت رقعتك فلم تند على كبدي، ولم تحظ بناظري ويدي؛ وخطبت من مودتي ما لم أجدك له أهلا، وقلت: هذا الذي تاه بحسن قده، وزها بورد خدّه، فالآن إذ نسخ الدّهر آية حسنه، وأقام مائل غصنه، وانتصر لنا منه شعرات كسفت هلاله، وأكسفت باله، ومسحت جماله، وغيرت حاله؛ فمهلا مهلا؛ وتناسيت أيامك إذ تكلّمنا نزرا، وتلحظنا شزرا:[الطويل]
ومن لك بالعين التي كنت مرة ... إليك بها في سالف الدهر أنظر
أيام كنت تتلفت والأكباد تتفتت، وتقبل فتمني وتعرض فتضني «١» : [الطويل]
وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا ... تخلّل حرّ الرّمل دعص له ندي
فأقصر الآن فإنه سوق كسد، ومتاع فسد، ودولة أعرضت، وأيام انقضت، ويوم صار أمس، وحسرة بقيت في النفس، فحتام تدلّ وإلام؟ ولم تحتمل وعلام؟
وقد بلغني ما أنت متعاطيه من تمويه يجوز بعد العشاء في الغسق، وينفق على السّوق؛ وإفناؤك لتلك الشعرات جزا وحصا، ونتفا وقصا؛ فأنا برحلك وجانبك، وحبلك ملقى على غاربك، ولو أحببت أن أوجعك لقلت:[من مخلّع البسيط]
ما يفعل الله باليهود ... ولا بعاد ولا ثمود
ولا بفرعون إذ عصاه ... ما يفعل الشعر بالخدود
ومنه قوله «٢» : كتابي إلى البحر وإن لم أره، فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه فقد