تصورت خلقه، والملك العادل وإن لم أكن لقيته، فقد بلغني صيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره؛ وهذه الحضرة وإن احتاج إليها المأمون، ولم يستغن عنها قارون، فإن الأحب إليّ أن أقصدها قصد موال، [لا قصد سؤال] ؛ والرّجوع عنها بجمال أحبّ إلي من الرجوع عنها بمال؛ قدّمت التعريف، وأنا أنتظر الجواب الشريف.
ومنه قوله «١» : عافاك الله، مثل الإنسان في الإحسان، كمثل الأشجار في الثمار، سبيله إذا أتى بالحسنة، أن يرفّه من السّنة إلى السنة، وأنا كما ذكرت لا أملك عضويّ من جسدي، وهما فؤادي ويدي؛ أما الفؤاد فيعلق بالفود، وأما اليد فتولع بالجود؛ لكن هذا الخلق النفيس، ليس يساعده الكيس؛ وهذا الطّبع الكريم ليس يحتمله الغريم، ولا قرابة بين [الأدب و] الذهب؛ والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة.
ولي مع الأدب نادرة: جهدت في هذه الأيام بالطّباخ أن يطبخ من جيمية الشماخ لونا، فلم يفعل، وبالقصاب أن يسمع من «أدب الكتاب» فلم يقبل، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت، فأنشدت من شعر الكميت ألفا ومئتي بيت فلم يغن فيما به اعتنيت؛ ولو وقعت أرجوزة العجاج في توابل السّكباج ما عدّ منها عندي لون، ولا استقرّ صون، بل ليست تقع، فما أصنع؟ فإن كنت تحسب اختلافك إليّ، أفضل «٢» عليّ، فراحتك راحتي، وراحتي أن لا تطرق ساحتي.