وحدّثتنا عنها، وهذي كتبها، وتلك مؤلفاتها، وهي مولّفة فخذ «غريب المصنف» إن شئت، و «إصلاح المنطق» إن أردت، و «ألفاظ ابن السّكيت» إن نشطت، و «مجمل اللّغة» إن اشتهيت وهو ألف ورقة، و «أدب الكتاب» إن اخترت، واقترح عليّ أيّ باب شئت من هذه الكتب حتّى أجعله لك نقدا، وأسرده عليك سردا؛ فقال: اقرأ من «غريب المصنّف» : رجل ماس خفيف، على مثال مال، وما أمساه. فدفعت في الباب حتّى قرأته، فلم أتردد فيه، وأتيت على الباب الذي يليه، ثم قلت: اقترح غيره؛ فقال: كفى ذلك؛ فقلت له: اقرأ الآن باب المصادر من «اختيار فصيح الكلام» لا أطالبك بسواه، وأسألك عمّا عداه؛ فوقف حماره، وخمدت ناره؛ وقال الناس: اللّغة مسلّمة إليك أيضا، فهاتوا غيره.
فقلت: يا أبا بكر، هات العروض، فهو أحد أبواب الأدب، وسردت منه خمسة أبحر بألقابها وأبياتها وعللها وزحافها، فقلت: هات الآن فاسرده كما سردته.
فلمّا برد، ضجر النّاس، وقاموا عن المجلس يفدّونني بالآباء والأمهات «١» ويشيّعونه باللعن والسّبّ، وقام أبو بكر فغشي عليه، وقمت إليه، فقلت «٢» : [الوافر]
يعزّ عليّ يا للنّاس أنّي ... قتلت مناسبي جلدا وقهرا
ولكن رمت شيئا لم يرمه ... سواك فلم أطق يا ليث صبرا
وقبلت عينه، ومسحت وجهه، وقلت: اشهدوا أنّ الغلبة له، فهلّا- يا أبا بكر- جئتنا من «٣» باب الخلطة، وفي باب العشرة؟!
وتفرق الناس، وحبسنا للطعام مع أفاضل ذلك المقام؛ فلما عكفنا على