الخوان، كرعت في الجفان، وأسرعت إلى الرّغفان، وأمعنت في الألوان؛ وجعل هذا الفاضل يتناول الطعام بأطراف الأظفار، فلا يأكل إلا قضما، ولا ينال إلا شما، وهو مع ذلك ينطق عن كبد حرّى، ويغيض عن نفس ملآى؛ فقلت: يا أبا بكر، بقيت لك منّة وفيك مسكة:[البسيط]
يا قوم إني أرى الأموات قد نشروا ... والأرض تلفظ موتاكم إذا قبروا
فأخبرني يا أبا بكر: لم غشي عليك؟ فقال: لحمّى الطّبع وحمّى الفرو؛ فقلت: أين أنت عن السجع؟ هلا قلت: حمّى الطبع، وحمّى الصّفع.
وقال السيد أبو القاسم: أيها الأستاذ، مع الحديث فاعزل، يعنيه «١» ، فقلت:
لا تظلموه، ولا تطعموه طعاما يصير في بطنه مغصا، وفي عينه رمصا، وفي جلده برصا، وفي حلقه غصصا؛ فقال أبو بكر: هذه أسجاع كنت حفظتها، فقل كما أقوله: يصير في عينك قذى، وفي حلقك أذى، وفي صدرك شجى؛ فقلت: يا أبا بكر، على الألف تريد؟ خذ الآن؛ بفيك البرى، وعلى هامتك الثّرى، ولا أطعمك الخرا إلّا من ورا، كما ترى؛ فقالوا: أيها الأستاذ، السّكوت أولى؛ ومالوا إليّ وقالوا: ملكت فأسجح؛ فأبى أبو بكر أن يبقي لنفسه حمة لم يفضها، أو يدخر عنّا كلمة لم يعرضها؛ فقال: والله لا تركتك من الميمات، فقلت: ما معنى الميمات؟ فقال: ما بين مهزوم ومهذوم ومهشوم ومغموم ومحموم ومرجوم؛ فقلت: وأتركك بين الميمات أيضا؛ بين الهيام والصّدام والجذام والحمام والزّكام والسّام والبرسام والهام والسّقام، وبين السّينات فقد علّمتنا طريقة؛ بين منحوس منخوس منكوس معكوس متعوس محسوس مغروس؛ وبين الخاءات، فقد فتحت علينا بابا؛ بين مطبوخ مشدوخ منسوخ ممسوخ مفسوخ؛ وبين