فسحة شتوة، قبل أن يتطرّقها الصيف توسطها السّيف؛ وهو الله ملك الملوك، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء.
ثم حكمت علماء الأمة، واتفق قول الأئمة، أنّ سيوف الحق أربعة، وسائرها للنّار؛ سيف رسول الله للمشركين، وسيف أبي بكر في المرتدين، وسيف عليّ في الباغين، وسيف القصاص بين المسلمين؛ وسيوف الأمير- أيده الله في مواقفه- لا تخرج عن هذه الأقسام، فسيفه بظاهر هراة فيمن عطّل الحدّ، واتّهم بأنه ارتدّ، وسيفه بظاهر غزنة في وجه العقوق، نوعا من الكفر [والفسوق] ، وسيفه بظاهر مرو فيمن نقض بعد تغليظه، ونبذ اليمين بعد تأكيده، وسيفه بظاهر سجستان فيمن نبّه الحرب بعد رقودها، وخلع الطّاعة بعد قبولها، وسيفه الآن في ديار الهند سيف قرنت به الفتوح، وأثنت عليه الملائكة والرّوح، وذلّت به الأصنام، وعزّ به الإسلام، والنّبيّ عليه السلام، واختصّ بفضله الإمام، واشترك في خيره الأنام، وأرخت بذكره الأيّام، وأحفيت لشرحه الأقلام.
وسنذكر من حديث الهند وبلادها، وغلظ أكبادها، وشدة أحقادها، وقوّة اعتقادها، وصدق جلادها، وكثرة أجنادها، نبذا ليعلم السّامع أيّ غزوة غزاها الأمير السّيد أدام الله علوه؛ إنّها بلاد لو لم تحيها السّحاب بدرّها، لأهلكتها الشمس بحرّها؛ فهي دولة بين الماء والنّار، ونوبة بين الشمس والأمطار، تقدّمها صعاب الجبال، وتحجبها رحاب القفار، ويعصمها ملتفّ الغياض، ويحصّنها طواغي الأنهار، حتى إذا خرقت هذه الحجب، خلص إلى عدد الرّمل والحصا رجالا، وشبه الجبال أفيالا، وإيزاغ المخاض جلادا، وتشهاق الحمار طعانا، وأركان الجبال ثباتا؛ ثم لا يعرفون غدرا ولا بياتا، ولا يخافون موتا ولا حياة، ولا يبالون على أيّ جنبيه وقع الأمر، وينامون وتحتهم الجمر؛ وربّما عمد أحدهم لغير ضرورة داعية، ولا حميّة باعثة، فاتّخذ لرأسه [من الطين] إكليلا، ثم قور قحفه