فياف تضلّ في أرجائها أسراب اليعافير، وتحار في دهنائها أفواج العصافير؛ فثار عدوّ الله يستنهض من يحمل حجرا، فضلا عمن يلقم القوس وترا، أو يحسن بالسّيف أثرا؛ فلمّا قاربه في المكان، ودخل بالرّعب على قلبه العيان، كرّ راجعا على آثاره، لفت المشير موهنا بناره؛ لا زال السّلطان منصورا، ما طلع يوم من حجاب أمس، وظهرت نفس من قرارة نفس.
ومنه قوله: وأما بنو فلان، فكوتهم الأيّام بمياسمها، وداستهم اللّيالي بمناسمها؛ فإنّ في قرع باب الغيّ تعرّضا للبلاء، واستئذانا على سواء القضاء، لولا أن تداركهم فلان بلطف كالأري مشارا، ودهاء يسلخ من الليل البهيم نهارا.
ومنه قوله معزّيا: هذه مصيبة سفحت الدّموع غروبا، ونثرت قنا الأصلاب أنبوبا فأنبوبا، ونعي بها فتى الجود، ومصّ بعده الثّرى بقية الماء من العود.
ومنه قوله: ولم تكن إلّا صدمة واحدة حتّى زلّت الأقدام عن مقارّها، وتهاوت الرّقاب عن مزارّها، وجعلت تتساقط أشخاص الألوية والمطارد، وتردّ النّفوس عن ضرب السّيوف البوارد؛ وكرّت عنها للسّلطان فيول كرعن الجبال، أو كركن السّحب الثّقال، مغشّاة بتجافيف «١» لم يعوّر منها غير حدق النّواظر، وحدائد الأنياب القوافر؛ يهوّل سائسها عليها بمرهفات كالبروق الخواطر، وصفّارات كالرّعود القواصف؛ وقد نشرت عليها التّماثيل في العيان المشهود، كأنّها الأساود