وولع بصنعة الكيميا، فشب لهبا، وصبّ أدبا لا ذهبا، وأذهب زمانا بها في العناء، وطلب الغنى من غير الغناء، فلم يجد بغيته، ولم يزد على أن صفّر وجهه، وبيض لحيته، فردّ خائبا، واشتعل رأسه شائبا؛ وطالما شمر طلب الصّنعة دروعه، وصعّد أنفاسه وقطّر دموعه، وكان من فيض السّلطان في غير البشير، وفي حبر من الإكسير، إلّا أنه تعلّق بعلم أحابر، وعلق حكم الصّنعة عن أكابر، وشدّ الأوصال، وامتدّ لأن تسمح له بالوصال، فكان لو شعر به ابن أميل، لمال إليه كلّ الميل، أو تشبه به ابن يزيد، لما كان عليه مزيد، ومع طول معاناته، وبعده تارة ومداناته، لم يحصل على غير ارتقابها، ولا ظفر من ليلى بحطّ نقابها، فكم ضيّع حاصلا، وكدّ ولم يكن واصلا.
وشعره أسير من نثره، وأيسر في حجم قدره، لأنّه إنما عانى النّثر وقد قارب أجله الانتهاء وقارب الرّحيل، ودنت شمسه من الأفول.
وهو صاحب «لاميّة العجم» التي فصّلت عرى «لاميّة العرب» وحلّت لامها، ونكّبت من شفار الشّنفرى سهامها، فلقد قوّت الشّعوبيّة، واحتمت لعصابتهم، حميّة العصبيّة، وأخذت قسرا شجر البيان، وحكمة ألسنة العرب وأدمغة اليونان، وكادت تبتزّ من دولة العرب مدينة السّلام، ولا تبقي لهم إلّا عائدة الملام، وعنوان قوله منها «١» : [البسيط]
أريد بسطة كفّ أستعين بها ... على قضاء حقوق للعلى قبلي