للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللمغرب مغرّبا.

فأما ما يؤثر عن أقلامه، فهو النّافث للسّحر في عقدها، والمنوّر للأبصار بكحل إثمدها؛ فضح الزهر بكلمه، وفتح الأقاليم بقلمه، وكتب فيما لا يعقبه ندم، وبارى قلمه السّيوف، ففعل أكثر منها ولم يتلطخ بدم؛ كم نكّس رماح الكفر فقصم أصلابها، وفصم أسبابها، وغزاها بأسطره ففلّ جيوشها، وثلّ عروشها، وحطّ صلبانها، وحطّم فرسانها، وأعاد بيعها مساجد، وصوامعها معابد، وبدّل الكفر بالإيمان، وأسكت النّاقوس للأذان، وعزّل مكان الإنجيل للقرآن، وقسى على القساقسة «١» وأرهب الرّهبان؛ وكاتب الخلافة، فكانت سطوره حلية شعارها، وسواد مداده سؤدد فخارها، وتأخّر السّهم وتقدّم، وخرس مجاوبه فلمّا كلّمه تكلّم؛ وحضر مواقف الحرب، فكان فارسها البطل، ورأيه سيفه الضّارب، ومواضع الحصار، وكان منجنيقه الرّامي، ويراعه سهمه الصّائب، وكان هو المحرك للعزائم النّوريّة «٢» على تطهير مصر من دنس أولئك الضّلّال «٣» ، ودرن تلك الأيام اللّيال، بل كانت أشد من اللّيالي، لتراكم ظلام تلك البدع، وتفاقم ضلال ذلك الدّين المبتدع.

ولقد كان وهو في ديوان تلك الدّولة يتحرّق على كشف بدعها، وكف شنعها، وكرّ جنود الله على شيعها؛ ووقفت على قصيدة كتبها إلى الشّهيد نور الدّين ابن زنكي رحمه الله، يقول فيها «٤» : [الطويل]

وما بعد مصر للغنى متطلّب ... وما بعد هذا المال مال فيكتسب

<<  <  ج: ص:  >  >>