بطول بقائه أمير المؤمنين، وأدام قدرته، وأعلى كلمته، أمر وزارته، وناط به أمانة سفارته، وأطلق يده بسيف الجهاد، وقلم الاجتهاد، وتدبير ما تحويه المملكة الفاطميّة من البلاد، وكفّله أمر خدمته التي استحقها بارتياد الرشاد، ورأى أن يكبت عدوّ الدين باصطفائه، ويكف عادية الشرك باستكفائه؛ واختار لتقدّمه عساكره، من اخترته أيّها الملك العادل لتقدّمه عساكرك، واستهدى منك هذه الجوهرة المعدومة من جواهرك، واستنزلك عن هذه الذّخيرة المصونة من ذخائرك، وآثر أن تؤثر به دولته التي تعدّ نصرتها من مآثرك؛ ولثقة أمير المؤمنين أنك تسمح له بكرائم لا يجود بها إلا من كان كريما، وتقسم بينك وبينه النجدة التي دعي بها والدك الشهيد رحمة الله عليه للدولة قسيما «١» ، أمضى هذا الرأي لمّا وضح صوابه، وانتهز فرصة هذا التوفيق لما فتح بابه، ورآه القويّ الأمين فاستأجره للإسلام وأهله، ومدّ عليهم ما كانت أعينهم ممدودة إليه من ظل عدله؛ ولما تمسك به المسلمون، لم يغلّ منه أيديهم المشدودة عليه؛ ولما اغتبط به أهل الدين، لم يصرفهم عمّا هداهم الحظّ إليه، وأمره أن يعدّ لحرب الفرنج عدّته، ويأخذ لغزوهم أهبته، ويطلبهم برا وبحرا، ويوسع لقتالهم درعا وصدرا، ويديل الإسلام من هدنة تظلّم منها إلى الله سرا وجهرا؛ وحرت «٢» وأمير المؤمنين يراها مصابا يحتسب فيه عند الله جزاء، وعهد إليه أن يعمّر الأساطيل التي تقطع عن العدّ والإمداد، ويعمر سجون الدولة بالكافرين مقرّنين في الأصفاد، وأن يسكن المدن التي جنى عليها التدبير العاجز، ويثقل المعاقل التي كانت خالية المراكز؛ لتكون أيّها الملك العادل من وراء هذا العدو الكافر مستأصلا، ويكون وزير أمير المؤمنين للغارات عليه والغزوات إليه مواصلا، فيقطع في الشرك سيف الله