للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب عهده بالخطّ الفاضليّ، ولقب الملك النّاصر، وكتب عليه العاضد بخطّه «١» :

هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجته عند الله عليك، فأوف بعهدك ويمينك، وخذ كتاب أمير المؤمنين ناهضا بيمينك، ولمن قضى بجدّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن أسوة، ولمن بقي بتقلبنا أعظم سلوة، تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

«٢» .

ثم كان الفاضل رحمه الله، هو الدولة الصّلاحية؛ كان كاتبها، ووزيرها، وصاحبها، ومشيرها، والحامل لكلّها، والحاكم في كلّها، والمجمرّ لبعوثها، والمتزر عند إقعاء ليوثها، والدائرة به مناطق بنيها، والسّائرة به شموس أيامها وبدور لياليها؛ فلهذا أذعنت لقلمه الرّماح، وطلبت صلح كلمه الصّفاح، وانقضت تلك الأيام وما فيها إلا بكر عشايا أو غرر صباح، ومع هذا كله كان لا يزال منكدا مبتلى، بضنى «٣» قلبه وجسمه، ومرض همه وسقمه؛ يذكر هذا في كتبه وترسّلاته، وشكواه إلى إخوانه وأخدانه، ومما كتب في ذلك:

ولا يسأل سيدنا عن خاطر تزدحم فيه الأخطار، وعن ضلوع تسرح على النّار، وقلت: قد عدم الصّفاء في دار الأكدار، وجسم قد قارب أن يخلع المعار من الأعمار؛ ولقد دبّ الفناء فيّ عضوا عضوا، وأخذني الزمان جزءا جزءا، فكلّ يوم يذهب مني شيىء بعد شيء، ويكثر شبهي بالميت فيبعد عن الحي، ونعوذ بالله من نار غضبه، فإن آخر المخالط الكيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>