قلت: ولهذا كان لا يتكلف مع السلطان سفرا في كل مرة، وإنّما كان العماد ينوب عنه؛ فإذا سافر كان هو المساير للسلطان إذا ركب، والمسامر إذا جلس، وكان إذا تأخر عن السلطان في بلد ناب عنه فيه، أو كان ردءا لمن ينوب من إخوة السّلطان وبنيه، ويكون هو القائم بالملك، القائل بالحياة والهلك.
ومما بلغ من سلطانه، ما حدّثني به أبو المحاسن بن عبد الله الكاتب المصريّ، قال: سمعت محيي الدين بن عبد الظّاهر، يحكي عن ابن قريش: أن الفاضل صحب السّلطان مرة في سفر، فنزلوا منزلا رخو الأرض كثير الطّين، وتوالى به المطر، وتعذّر السّلوك بين خيمة السّلطان وخيمة الفاضل، إلّا على من يسلكه بمشقة، فأمر السّلطان بنقل خيمته، وأن تضرب إلى جنب خيمة الفاضل، ويفتح بينهما باب حتى لا يقطع بينهما الوحل، ولا ينزعج الفاضل عن مستقره؛ وكان إذا غاب عن السّلطان تكاتبا، وبينهما مترجم بقلم توافقا على المصطلح عليه، فكانا يتكاتبان به ويتخاطبان على بعد الدّار بلسانه.
وكان القاضي الفاضل يكتب إلى سلطانه، ويشفع فيما يريد، كما يشفع الصّاحب إلى صاحبه، والصّديق إلى صديقه؛ وكان يسلّم في كتبه التي يكتبها إلى السّلطان على من أراد من أولاد السّلطان أو إخوته.
ووقفت له من ذلك على كتب كثيرة، منها ما هو بخطّ يده، ورأيت في بعضها أجوبة السلطان، وفي بعضها حروف المترجم بخطّ الفاضل، وخطّ السّلطان بإزائه.
ورأيت كتابا كتبه إلى السّلطان، وسلّم فيه على ولده الملك العزيز عثمان، وقال فيه:
والملك العزيز- أعز الله الدّين بجهاده- بين يدي المولى، مخصوص بتحية