للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتبّع الخلف بجناية السلف، وأخذ الوارث بجزيرة المورّث، وهذه محافظة في العداوة، ومطاوعة على القساوة، فيها لحكم الله ردّ ظاهر، وجرأة عليه تعجل عقبى الجائر، وسوء مقدرة لا تبعد أن يغضب لها القادر، واستئناف حرب خاسرها الرابح ومخذولها الظّافر؛ وقد أكثر الناس المدح لحفظ موات الأموات، ومصافاة أهل العظام والرّفات؛ فإمّا المكافاة وهم في كفاة اللّحود، أو المظاهرة بالعداوة لهم وهم في ضمائر القبور رقود؛ فما عهد مهده البدعة قائم، ولا على هذه الشرعة حائم، وحوشيت من أن تحشر من بين الأمة أمة وحدها، وتطيع العصبية فتجاوز سمت المروءة وتتعدّى حدّها.

هذا وقد استفتحت الخطاب ببيت، إن ألمّ بما ألمّ به في معناه، فإنه لا يريد أن يتبعه بما يشيد مبناه، وهو أنها رأت في صحائف التجارب وتواريخ الأعاجيب، أنه قل ما تقاول فحلان، وتصاول بطلان، إلا استويا في الدنيا النصيبين، وكانا إلى منهال من وردهما قريبين، وكان سابقهما طليعة التالي، وأولهما مقدّمة الثّاني؛ وإذا كان الله قد أفردها بمدّ طلق البقاء، وخلّفها لينظر كيف تعمل فيما أمتعها به من النّعماء، فالأولى أن تحفظ عبدها في أيتامه، وتخلف عليهم ما غرمه في أيامه، وتصون مخلّفيه من هتك الأستار، وحطّ الأقدار، وتشفي من لا خلاق له من الأشرار، وتعطيهم بما أطال الله من ذيول أنوائها، وتحتسب بالحسنة فيهم مع ما كثر الله من ذخائر ثوابها، ولا يزعج مخلّفوهم بالشكوى إليه في الدّار التي ثوى بها، فإنّها بحيث ترفع الظّلامة إلى قريب، من مكان قريب، وإن سمع الميت ولم يجب فإن الله يسمع ويجيب: [الطويل]

تقصّى الذي قد كان بالأمس بيننا ... وأسكتني دهري فهل يسكت الدهر

وهو يحلّها من كل ما ارتكبت فيه، وأطاعته من موارد الأوهام إن حفظت

<<  <  ج: ص:  >  >>