وصية الله تعالى السابقة لوصيته في هؤلاء الأيتام؛ فأما إن أتبعت القادحة بالقادحة، وأشبهت اللّيلة بالبارحة، فالحساب يبقى عليها مدة بقائها بعده، ويفضل به عندها ما لا تجد فضله عنده، لانقطاع عمله واتصال عملها، وإغضاء طوله وامتداد طولها، وعند الله تجتمع الخصوم «١» ، ويضرب على يد الظلوم قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ
«٢» .
* وأما نثره فمنه قوله: وقد كان يقال: إن الذهب الإبريز لا تدخل عليه آفة، وأن يد الدهر البخيلة عنه كافة، وأنتم- يا بني أيوب- أيديكم آفة لا تقايس الأموال، كما أن سيوفكم آفة تقوس الأبطال، فلو ملكتم الدّهر لأمطيتم لياليه أداهم، وقلدتم أيامه صوارم، ووهبتم شموسه وبدوره دنانير ودراهم؛ وأوقاتكم أعراس، وكان بما تم فيها على الأموال مآتم؛ والجود خاتم في أيديكم، ونقش حاتم في نقش ذلك الخاتم.
ومنه قوله: أدام الله أيام الديوان العزيز ممهدة لمن رضيت «٣» عنه درجات الجنة، منتثرة على من سخطت عليه كواكب الأسنة، مغرقة لمن يغرق في طاعتها بحار الأعنة، مبشرة النفس المتطامنة لولائها بأنها النفس المطمئنة، وأسبغ نعمه فإنّ النعم في ضمنها، وملأ الآمال بمنّها، وأفاض أنوارها التي قد علم قرن الشمس أنه غير قرنها، وأمضى سيوفها التي تعرب فيغرق ضمير النصر في لحنها، وأعلى آراءها التي تلتقي العداة بدرع يقينها، وتلقى الغيوب بسهم ظنها، ولا برحت راياتها