وصل كتاب الحضرة لا زالت رياض ثنائها متفاوحة، وخطرات الردى دونها متسارحة، والليالي بأنوار سعودها متلألئة، والأيام الجافية عن بقية الفضل منها متجافية؛ باركة للمجد منها فيه، يتخير إليها المكرمات إذا لم يكن لها فيه، فأنشده ضالة هدى كان لنشدانها مرصدا، ورفع له نارا موسويّة، سمع عندها الخطاب، وآنس الخبر، ووجد الهدى؛ وكانت نار الغليل بخلاف نار الخليل، فإنّها لا تقبل ندى الأجفان بأن يكون بردا وسلاما، ولا يزايدها نداها إلّا كانت أضرى ما كان ضراما.
ونعود إلى ذكر الكتاب الكريم: وسجد لمحرابه وسلّم، وحسب سطوره مباسم تبسّم، ووقف عليه وقوف المحبّ على الربع يكلمه ولا يتكلّم، ويبطل جفنه وكأنّ جمادى بدمعه وكأنّ على خدّه المحرّم؛ فالله المسؤول لها في عاقبة حميدة، وبقية من العمر مديدة؛ فإنها الآن نوح أهل الأدب، وطوفانها العلم الذي في صدرها، ولا غرو أن يبلغ عمره كعمرها، على أنها طالما أقامت الحدّ على الدّنيا حتى بلغت في حدها الثمانين، وأدبت الأيام بسلاح الحرب من سيفها وسلاح السّلم من قلمها تأديب المجانين، وما حملت العصا بعد السيف إلا وقد وضعت الحرب أوزارها، ولا استقلت بأنه موسى إلا لتفجّر الخواطر وتضرب أحجارها، وما هي إلّا رمح، وكفى بيدها لها سنانا؛ وما هي إلّا جواد يحتثّ السّنين خلفها، فتكون أناملها لها عنانا.
ومنه قوله «١» : ورد كتاب الحضرة السامية، أحسن الله لها المعونة، ويسّر لها العواقب المأمونة، وأنجدها على حرب الفئة الكافرة الملعونة، يخبر بخروج الخارج من قلعة