كذا، وما صرّح به من الخوف الذي ملأ الصّدور، والاستحثاث في مسير العسكر المنصور؛ وكلّ قضية وردت على القلوب، ففزعت فيها إلى ربّها فرجت فرجه، وأذكى لها اليقين سرجه، ولم تشرك معه غيره مستعانا، أو لم تدع معه من خلقه إنسانا؛ فما القضية وإن كانت منذرة إلّا مبشّرة، والخطّة وإن كانت وعرة إلا مبشرة؛ لا جرم أنّ هذا الكتاب أعقبه وصول خبر نهضة فلان نصر الله نهضاته، وأدّى عنه مفترضاته، واستنهض العساكر، وقوبل العدوّ الكافر، فنفس ذلك الخناق، وتماسكت الأرماق؛ وما أحسب أنّ الأمر يتمادى مع القوم؛ بل أقول: لا كرب على الإسلام بعد اليوم؛ يتوافى بمشيئة الله ولاة الأطراف، ويرقل من نفس العدوّ وسمعه ما استشعره من المسلمين من الخلاف، ويجتمعون إن شاء الله على عدوّهم، ويذهب الله بأهل دينه ما كان من فساد أعدائه في أرضه وعلوّهم؛ وقد شممنا رائحة طلب الهدنة بطلب الرسول، وبخبر هلاك ملك الألمان الذي هو بسيف الله مقتول، والموت سيف الله على الرقاب مسلول.
ومنها: فأما ما أشار إليه من القلاع التي شحنها، والحصون التي حصّنها، والأسلحة التي نقلها إليها، والأقوات التي ملأ بها عيون مقاتليها ويديها، فإن الله يمنّ عليه بأن يسره لهذه الطاعة، ورزقه لها الاستطاعة، فكم رزق الله عبدا رزقا حرمه منه، وفتح بابا من الخير وصرفه عنه؛ الآن والله ملك الملك العادل ماله الذي أنفقه، وأودعه لخير مستودع من الذي رزقه؛ وشتان بين الهمم همّة ملك ذخر ماله في رؤوس القلاع لتحصين الأموال، وهمة ملك أودع ماله في أيدي المقاتلة لتحصين القلاع «١» : [الكامل]