للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين المسلمين وبينهم بطوفان نار كانت القلعة سفينة إلا أنها لا سفينة نجاة بل سفينة عطب، والفرنج الملاعين من وردها عاجلا وإن منهم إلا واردها، وأقحم نفسه فيها فأحاطت بعنقه مقاودها، وبات الناس مطيفين بالحصن والنّار بهم مطيفة وعليه مشتملة، وعذبات ألسنتها «١» على وجهه منسدلة، ومن خلفه مسبلة، ولفحاتها جهنمية وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ

«٢» ؛ والبلاء؛ ينادي طبرية بلسان مصابها: إيّاك أعني واسمعي يا جارة»

؛ فولجت النّار موالج تضيق عنها الفكر، وتعجز عنها الإبر، وقال الكفر: إنها لإحدى الكبر، وخولف المثل في أنّ السعادة لتلحظ الحجر «٤» ، وأغنى ضوء نهاره أن يسأل معه هذا وذا ما الخبر، إلى أن بدا الصّباح وكأنه امتار منها الأنوار، وانشق الشرق وكأنه من عصفرها صبغ الإزار، فيحنئذ تقدم الخادم فأقلع بيده الأحجار من أسها، ومحا حروف البنيان من طرسها، وأدار فيها كأس المنون دهاقا، وحلّ الرءوس ضربا، وشدّ الأعناق وثاقا.

ومنه قوله: حوشي مجلس سيدنا، ولا زال من كل مكروه محاشى، ودامت الصحة تنشر له علما وتطوي فراشا، وجعل الله ليل الدّنيا بأمنه لباسا ونهارها معاشا، من مرض يمسّه، ومن ألم يحسّه ومن أن يتكدّر من العافية أنسه، وحرس الله نفسه على الإسلام، فإنه نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>