للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله المسؤول لها في عاقبة حميدة، وبقية من العمر مديدة، فإنّها الآن نوح أهل الأدب، وطوفانها العلم الذي في صدرها؛ ولا غرو إن بلغ عمره مدّة عمرها، على أنّه يتحقق خلودها في الجنة بعملها، وفي الدنيا بذكرها، وإن الدارين تتغايران على عقائل فخرها، ولا يتأخران عن إجرائها على عادتها في رفع قدرها، وعلى أنها طالما أقامت على الدّنيا السّكرى، حين أقامت في حدّها من العمر الثّمانين، وأدّبت الأيام بسلاح الحرب من سيفها وسلاح السّلم من قلمها تأديب الخائنين، وما حملت العصا بعد السيف حتّى ألقت إليها السلم، فوضعت الحرب أوزارها، وما استقلت بآية موسى إلّا لتعجز بها أنهار الخواطر وتضرب بحارها، وما هي إلّا رمح وكفى بيدها سنانا، وما هي إلّا جواد تجنب السّنين خلفها فتكون أناملها لها عنانا.

وقوله: ولعله الآن قد عوفي من الأمرين، وقرّت بوجهه العين، وجدّد عهده بنظره، وقرّب عليه لسانه إسناد خبره، وبلّت منه غلة الحائم، ورأت منه هلال الصائم، وطالعها وجه الزمان المغضب بصفحة الباسم، ووفى مواعيد الأنس منه الضّامن الغارم؛ وهو يسلم عليه تسليم الندى على ورق الورد، ويستمدّ الوفاء من غرس ذلك العهد، ولكتاب الحضرة العالية من الخادم، موضع الطوق من الحمام، يتقلده فلا يخلع، ويعجبه فلا يكاد يسجع، ويحكيه طوقا على الأسى، إلا أنه بدرّ الدّمع يرصع؛ وإذا أنعم به فليكن مع ثقة، ويخشى أن يكون هذا الشرط له قاطعا، بل مع من اتفق فإنه كالمسك، لا يدعه العرف الضّائع أن يكون ضائعا «١» : [الكامل]

أكتبه يكتب لي أمانا ماضيا ... وابعثه يبعث لي زمانا راجيا

<<  <  ج: ص:  >  >>