هو إلا سواد الحدقة منه انبعثت الأنوار، وما هو إلا سويداء ليلة الوصل اشتمل على دجى تحته نهار، فلله هو من كتاب استغفر الدهر ذنب المشيب بسواده، واستدرك الزمان غلطه بسداده.
ومنه قوله «١» : كتاب تقارعت الجوارح عليه فما كادت تتساهم، فقالت اليد: أنا أولى به؛ شددت على مولاه ومولاي عقد خنصري، ورفعت اسمه فوق منبري، وقبضت عليه قبضتي، وبسطت في بسط راحته وقت الدّعاء راحتي؛ وقالت العين: أنا أولى به؛ أنا وعاء شخصه، وإليّ يرجع القلب في تمثيله ونصّه، وأنا سهرت بعد رحيله وعندي وحشة، وأنا أذكر ذكر هجير القلب عليه رشة بعد رشّة؛ فقال القلب: طمعتما في حقّي لأني غائب، وهل أنت لي يا يد إلّا خادم؟ وهل أنت لي يا عين إلّا حاجب؟ أنا مستقرّه ومستودعه، ومرتعه ومشرعه، وأنا أذكّره وبه أذكركما، وأحضره وبخدمته أحضر كما؛ فاليد استخدمتها مرة في الكتاب إليه، ومرة في ملاحظة وجهه غائبا وفي توقّع لقائه آئبا، وفي السّهد شوقا إلى قربه، والمطالعة لما يخرج أمري بكتبه من كتبه؛ فهناك سلّمنا واستخرنا، واكتفينا واستأخرنا، وكدت أرشف نقسه إلى أن أنقله إلى سويداه، لولا أنّ سواد العين قال: أنا أحوج إلى الاستهداء بهداه.
ومنه قوله: ورد كتاباه الكريمان فسرّا وبرّا، وتصرّفا في القدر فنصبا، وفي الطّرف فرفعا، وفي الأنس فجرّا، وما وقف على صدر منهما إلا شهد القلب بأنه أولى الصّدور بأن يكون صدرا، ولا أهديا إليه يدا كبرى إلا أفضيا به إلى بحر، وما دار في