ومنه قوله أيضا: كتاب اشتمل على بديع المعاني وباهرها، وزخرت بحار الفضل إلا أنني ما تعبت في استخراج جواهرها، بل سبحت حتى تناولتها، وجنحت إليّ فما حاولتها، واقتبست من محاسن أوصافه، وبدائع أصنافه، نكتا استقلت أجسامها بالأرواح، وزهت جيادها بما فيها من الغرر والأوضاح، فيالله من بدائع وروائع ولطائف وطرائف! فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، وما يقرّط الأسماع وتقرظ الألسن، كأنه طرف طرف صوبه مدرار، وعلم علم منصوب في رأسه نار؛ صحّح السحر وإن كان ظنا، وفضح الدّرّ وإن كان أبرع معنى وأسنى حسنا، وأدنى مجنى وأغنى مغنى، فما ضرّت أخير زمانه مع تقدم بيانه، ولا من سبقه في عصره مع أنه قد سبق في مصره.
ومنه قوله «١» : ولله هو من كتاب لما وقفت عليه الغلّة شفاها، وحدثها الودّ شفاها، ورأت وردها كل ماء غيره شفاها «٢» ، ووطئ مضاجع أنسها بعد أن كان الشوق يقلب الجنوب على شفاها «٣» ؛ فلا عدم ودها الذي به عن كل مودة سلوة، ولا برحت كفاية الله تحلّها في الذّرى وتعلي قدرها في الذّروة، ولا فقد مما ينعم به أي نعمة، وما ينشيه أيّ نشوة.
ومنه قوله: كتاب كريم تبسّم إليّ ضاحكا، وظن مداه أنه قد جلا سطره علي حالكا، فما