نفسي فحين لحظته حفظته، وجمعت بينه وبين مستقره من صدري، واستطلت به مع قصره على حادثة دهري، وجعلت سحره بين سحري ونحري، واستضأت به ورشفته فهو نهاري وهو نهري؛ فإن أردت العطر بلا أثر أمسكت مسكه بيدي، وإن أردت السّكر بلا لثم «١» أدرت كأسه في خلدي؛ فلله أنامل رقمته ما أشرف آثارها، وخواطر أملته ما أشرق أنوارها! ولم أزل متنقلا منه بين روضة فيها غدير، وليلة فيها سمير، وإمارة لها سرير، ومسرة أنا لها طليق أسير، ونعمة أنا لها عبد بل بها أمير، حتّى أدبرت عنّي جيوش الأسى مفلولة، وقصرت عني يد الهم مغلولة، وملئت مني مسامع المكارم حمدا، وخواطر الصنائع ودا، وحطّ الأمل بربعي رحله، وأنبت الربيع بفنائى بقله، ولبست من الإقبال أشرف خلعة، ووردت من القبول أغزر شرعة، وانتعجت من رياض الرجاء أرجى نجعة.
ومنه قوله «٢» : هذا مع عفو الخاطر، فكيف إذا استدعى المجلس خطيّة خطه فجاءت تعسل، وحشد حشود بلاغته، فأتت من كلّ حدب تنسل.
ومنه قوله «٣» : ورتع في رياض بلاغته التي لم يقتطفهنّ من قبله غارس ولا جان، واجتلى الحور المقصورات في الطّروس التي لم يطمثهنّ إنس قبله ولا جانّ، وغني بتلك المحاسن غنى خير من المال، واعتقد فيها كؤوسا إذا شاء أنفق منها الجمل، وإذا شاء أمسك منها الجمال.