وأنجادها أغوار، وساكنها غير ساكن، وقاطنها غير آمن، وجدا جداولها علاقم، وجنى جنادلها أراقم، وحيّاتها موحيات، تسعى متلوّيات، وتلتوي ساعيات، كأنّما صاغت الجن من سنابكها الخلاخل، أو أراغت لنا من لواذعها الغوائل، ثقال الرءوس، كأنّها نصب الفؤوس، فهي حطب العطب، وخشب الأشب؛ فمن طوال كحراب الزّنج، وقصار كبنادق الشّطرنج، وأوساط كأسواط العذاب، سراع كأنامل الحسّاب، وقصار كبارقات السّحاب، ومارقات النّشّاب؛ ومنها ما هو كدباسق الأتراك، أو كألوية الأملاك، ومنها بتر كأيدي السّارقين، وخفاف كدين المارقين؛ ومنها ما هو كمزمار الزّطّ أو كزنّار القبط؛ ومنها ما هو كأنه أصهب الفهود، أو تكك ذوات النّهود، أو أنياب النّمور، أو كمخالب الصّقور، أو أعصاب الخيول، أو نياب الفيول، أو طوامير الكتّاب، أو مسامير الأبواب؛ ومنها كلّ برقاء إذا انسلخت من جلدها ألقت كمّ درع، ونقبت حديد ذرع، وسوداء كصحيفة المجرم، وصفراء كصفحة المتألم، قصيرة مقتصرة الأعمار، دقيقة جليلة الأخطار؛ الحيات أمها، والممات سمّها، عنبرة لا يحملها حامل ولا يشمها.
* وبهذه الرسالة ذكرت شعرا كنت وصفت فيه منزلة كثيرة الأفاعي؛ ومنه:[الطويل]
وأرض ترى الحيات فيها سواريا ... كأنّ مساريها ضروب من الرّقم
أساود رقط كالنّمال دبيبها ... ولكن تراها في القساوة كالدّهم
وتختلف الألوان منها كأنّها ... أزاهير روض وشّعتها يد الوسمي
إذا نشرت كانت حزاما وإنها ... كعروة إذ تطوى المساحب للضمّ
ومطرقة فوق الكثيب كأنها ... ضفائر ضمّتها مبدّنة الجسم
وآخر من دون الطّريق محملق ... شجاع على متن الطريق له يحمي
ينضنض في فيه لسان مخصّر ... كأنّ عليه طائر القطن والشحم