سارية تمشي لثقلها مشي الرّداح، ويكاد يلمسها من قام بالراح «١» ، وما نتجت نتاجا إلّا أسرّت في ضمنه حمل أقاح، ولا أظلمت إلّا أضاء البرق في جوانبها، فتمثّلت ليلا في صباح، فهي مسودّة مبيضّة الأياد، مقيمة وهي من الغواد، نوامة على طول سهرها بالوهاد، فكم في قطرها من ديباجة لم تصنع أفوافها، ولؤلؤة لم تشق عنها أصدافها، ومسكة لم تخالط سرر الغزلان أعرافها؛ فما مرت بأرض إلّا أحيتها بعد مماتها، ووسمتها بأحسن سماتها، وغادرت غدرانها فائضة من جهاتها، ومثلها والنّبت مطيف بها بالأقمار المتعلقة بأردية ظلماتها.
ومنه قوله:
فلان قد كشف عن مقاتله، وعرض بجهة الأدلّة نفسه على قاتله.
ومنه قوله:
وقلمه هو يراع نفث الفصاحة في روعه، وكمنت الشجاعة بين ضلوعه، فإذا قال أراك نسق الفرند في الأجياد، وإذا صال أراك كيف اختلاف الرّماح بين الآساد؛ طورا ترى نحلة تجني عسلا، أو شفة تملي قبلا، وطورا ترى إماما يلقي دروسا، وآونة تنقلب ماشطة تجلو عروسا، ومرة ترى ورقاء تصدح في الأوراق، وأخرى ترى جودا مخلّقا بخلوق السّباق؛ وربما تكون أفعوانا مطرقا، والعجب أنّه لا يزهى إلا عند الإطراق؛ ولطالما نفث سحرا، أو جلب عطرا، وأدار في القرطاس خمرا؛ وتصرف في وجوه الغناء، فكان في الفتح عمر وفي الهدى