العفو عن المذنب عقوبة لعرضه، وإن نجا بسلامة نفسه، وخيانته هي التي تلبسه من غضاضتها ما لم يبلغه العقاب بلبسه؛ وقد قيل: إنّ الرّفق بالجاني عقاب، والإحسان إليه متاب؛ ولا شكّ أنّ بسطة القدرة تذهب بالحفيظة، وتزيل وجد الصّدور المغيظة، وشيم المولى تحبّ أن يكون رضاها شفيعا إلى غضبها، وإن نبضت منه بادرة سهم، ردتها شيمة التغمد على عقبها، فلا شافع إليها إلا وسيلة كرمها، ولا ذمة عندها إلا الاستذمام بحرمها.
ومنه قوله:
إذا ادعت له الأوصاف رتبة فضل، شهد شاهد من أهلها، وكفته وراثتها عن آبائه أن يشارك البعداء في فضلها، وأحق الناس بالمعالي من كان فيها عريقا، ولا يكون المرء خليقا بها إلا إذا كان أبوه بها خليقا، وإذا زكت أصول الشجر زكت فروعه، ولا يعذب مذاق الماء إلا إذا طاب ينبوعه.
ومنه قوله:
وأكرم بيديه التي تسمح بدية القتيل، ويرى الكثير من عطائها بعين القليل، وما كل من شاء استمرت يده بالسماح، وقد تحجم عنه من تقدم على مكروه الصفاح، على أنه قد قيل: إن بين التسميتين إخاء، فالسخاء يكون نجدة، والنجدة تكون سخاء؛ ومصداق هذا القول اجتماعهما لليد الكريمة التي ألفت إنجاح الوعد وإنجاح الوعيد، وضمنت أرزاق الناس وأرزاق الحديد، وقالت في الندى: هل من صاد في الوغى: هل من مزيد؛ فالساري إلى أبوابها لا يصل إليه في نهج السرى، وهو مهتد منها على قبس القراع أو قبس القرى.