ومنه قوله: إذا فاز المرء من اليقين بحظه، ولحظ الدنيا بقلبه لا بلحظه، علم أن عطاياها عارية مردودة، وأنّها وإن طالت مدّة وجودها فإنّها مفقودة، وما ينبغي له حينئذ أن يسر بالشيء المعار، وينقل له من دار المتاع إلى دار القرار.
ومنه قوله:
وكانت الدّنيا به مسرورة، فطوى عنها لباس السّرور؛ وكانت الزّلفى له بحياته، فانتقلت الزّلفى إلى أهل القبور؛ وما أقول إنّه كان للأرض إلّا بمنزلة الأرواح من الأجساد، ولا شك أن السّماء حسدتها على الاختصاص به مما اعتادت من حسد الحساد، فبماذا يمدحه المادح وقد أسلمه العيان إلى الخبر؟ وإن قيل: لولا النّبي لم تخلق شمس ولا قمر، قلت: ولولا موته لم تخسف شمس ولا قمر.
ومنه قوله:
وكيف يظلم ذاك اللّحد وبه من أعمال ساكنه أنوار؟ أم كيف يجدب وبه من كف فيضه سحاب مدرار؟ أم كيف يوحش والملائكة داخلة عليه ببشرى عاقبة الدار؟ أم كيف يخفيه طول العهد على زواره وطيب ترابه هاد للزّوار؟ وا أسفي كيف أطأ على الأرض وهو في بطنها ملحود؟ أم كيف ترعى «١» نجوم السّماء وما هو بينها موجود؟. أم كيف أعدّ أسماء البحار وليس في جملتها معدود؟ أم كيف أحمد من بعده عيشا ولم يكن العيش إلا به محمودا؟