عندها بملفوظة، ولا السّقطات لديها بمحفوظة؛ وكانت الريح تتلعّب بلهبها، وتختلف على شعبه بشعبها، وطورا تقيمه فيصير أنملة، وطورا تميله فيصير سلسلة، وتارة تجوفه فيصير مدهنة، وتارة تجعله ذا ورقات فيتمثل سوسنة، ومرة تنشره فينبسط منديلا، ومرة تلفّه على رأسها فيستدير إكليلا؛ ولقد تأملتها فوجدت نسبتها إلى العنصر العسليّ وقدّها قدّ العسّال، وبها يضرب المثل للحليم، غير أن لسانها لسان الجهال ومذهبها مذهب الهنود في إحراق نفسها بالنّار، وهي شبيهة العاشق في انهمال الدّمع، واستمرار السّهر، وشدّة الاصفرار.
ومنه قوله:
ولقد عدا السّحاب طوره إذا هطل في بلدة هو بها مقيم، لكن عذره أنّه أتى متعلّما، وقد جرت العادة بإفادة التعليم، وما أقول: إنّه يقابل ذاك الوجه النّدي إلّا بوجه قل ماؤه، ولو استحيا منه حقّ الحياء لما هطلت سماؤه، وأنّى يقاس فيض كرم السّحاب بفيض كرمه، أو ديمه الدائمة بإقلاع ديمه.
ومنه قوله:
إذا رفعت الخطوب أعناقها، لقيها من رأيه بسعد الذّابح، وإن بقي ليلها غشيه من عزمه بالسّماك الرامح، فهو يسفك دماءها، ويجلو ظلماءها، ولهذا ترى وقد أجفلت عن طريقه، فرجعت عن حرب عدوّه إلى سلم صديقه.
ومنه قوله في اليأس والطّمع: إن نظر إلى اليأس والطمع، وجدا سواء في جدوى الإعطاء، ولا فرق بينهما إلا في روح التعجيل وكرب الإبطاء، ومن هاهنا عجّل اليأس غنى والطّمع فقرا، وأوسع صاحب هذا ذما، وصاحب هذا شكرا.