ومنه قوله: كما عود الطير من جزر أعدائه تتبعه أسرابا، واستسقى سحابها ما تحته من سحاب خيله، فاستسقى سحاب سحابا، ولقد مرت عليه الشمس فضعفت أن تحرق جناحا، أو تحمي بحرّها سلاحا، فلم يلق بين الريش فرجة ينثر فيها دراهمها، ولربما خالسها النظر إذا هزت قوادمها.
ومنه قوله في الاستعطاف:
المولى إذا لين له غلب على أمره، وأزيلت مغيظة صدره، وهذه خليقتان من البعيد الذي يمسه بلحمة، ولا يمت إليه بحرمة، فما للظن بالقريب الذي فاز بمزية الشركة في عرفة؛ وفضل الجوار لاحق أوجب من حقه، فكيف نسي المولى عادة كرمه، ووضع وجوه قومه تحت قدمه، وجعلهم حصائد سيفه وقلمه؛ وحاشاه أن يقطع رحما أوصاه الله بوصلها، ويعضد شجرة أصله الكريم من أصلها، ويزعم بأنهم أخرجوه عن معهود خلائقه، وبدلوا أنواء غيوثه بمخيلة صواعقه؛ ولكنهم شفعوا للذنب بالاعتذار، وعلموا أن خيط أرشيتهم لا يؤثر في كدر البحار؛ وقد قدر المولى، والمقدرة تصغر كبار الذنوب، وتذهب ترات القلوب، فإن نقم منهم أنهم جمعوا قلة الآداب إلى إدلال ذوي الانتساب، فتلك سنة سنها حكمه، وجبلهم عليها حلمه، وما يتحدث الناس أن الكريم عاد عن عادة إغضائه، ورجع في حكم قضائه؛ وأول راض سيرة من يسيرها «١» ؛ فليسبل المولى عليهم ستر فضله، وينجز إساءة فعلهم بإحسان فعله، وليأخذ بأدب الله وأدب رسله في الإعراض عن الجاهل وجهله؛ ويعلم أن قوم المرء كنانته التي بها