الحكيم، فأخبروا عن النجوم في سعودها ونحوسها، بما لم تخبره من نفوسها، وقضوا في ترتيب أبراجها، واختلاف مزاجها، وحكموا على حوادث العمر من حال وجوده إلى عدمه، في سعادته وشقائه وصحته وسقمه، وأشباه ذلك من الزخارف، التي نصبوها حبائل للاكتساب على غير ذوي الألباب، وكلها أضغاث أحلام، وأوضاع لا تخرج عن خط الأقلام.
ومنه قوله:
ولم أبك إلا عصر الشباب الذي هو في الأعمار بمنزلة الربيع من الأعوام، وما كنت أعرف كنه أمره حتى مضى، فرحلت معه الحياة بسلام «١» ، فالأيام فيه غوافل، والسنون لقرب عهدها مراحل، ولم أقض وطرا إلا خلفت أندى منه مرتعا، وأحسن مرأى ومسمعا؛ أيام لا أعاقر خمرة إلا لمى، ولا وردة إلا خدا، ولا نقلا إلا فما، ولكأني ما كنت «٢» قمرا حلف إلا بالقدود وهيفها، والجفون ووطفها، وليالي الذوائب وسدفها، ووجوه الأقمار التي لا تشاب بكلفها، ولا يرى في غرر الشهور ولا منتصفها؛ فأصبحت قد بدلت غريب الأحوال بأليفها، وعوضت من نضرة الأوراق بيبس خريفها، فولى الصبا الآن بسلام، ولوعة ينبي بها الدمع السجام.
ومنه قوله فيمن قصر:
ولتقر تفاح الخدود، فلست من تقبيله غرا، ولا من عضه، اللهم غفرا، وقد ينطق المرء بما يكون فيه لسانه آثما وفعاله برا، ولولا حكم الفصاحة لما ذكرت بانة ولا علم، ولا وقف المتغزل بأقواله موقف التهم.