قد أصبح بأنفاس الرياض معطرا، والشمس قد ضربت في أرجائها عمودا، فاخضر اخضرارا معصفرا، ولقد أصاب من مثل العام شخصا، وجعل الربيع بمنزلة ثغره النسيم، أو عمرا وجعله بمنزلة شبابه الوسيم، وقد زاد عندي حسنا أني أصبحت في هذا اليوم أصحب أخاه الذي شابهه في اعتدال زمانه، لا في تلون ألوانه، وناسبه في طيب شيمه، لكنه أسخى منه في فيض كرمه، وهو مولانا الملك الذي سعيه مشتقّ من لقبه، وسبقه إلى المعالي كسبق المنتمي إليه من نسبه، والمسمون بالملك كثير، غير أن هذا الاسم لا يختص إلا به «١» :
[الكامل]
ملك زهت بمكانه أيامه ... حتى افتخرن به على الأيّام
وكان المنتظم بخدمته في هذا اليوم غلمان كأنهم لؤلؤ منظوم، وهو أشرف خادم لأشرف مخدوم، ومقامهم في الحسن سواء، فلا يقال فيهم: وما منا إلا له مقام معلوم، وكلهم قد تأهب للطرد تأهبه للطراد، وهم متقلدون قسي البندق مكان النجاد، فإذا تناولوها في أيديهم قيل: أهلة طالعة من أكفّ أقمار، وإذا مثل غناؤها وغناؤهم قيل: منايا مشوقة بأيدي أقطار؛ وتلك قسيّ وضعت للعب لا للنضال، ولردى الأطيار لا لردى الرجال، وإذا نعتها ناعت قال: إنها جمعت بين وصفي اللين والصلابة، وصيغت من نوعين غريبين، فحازت معنى الغرابة، فهي مركبة من حياة ونبات، ومؤلفة منهما على بعد الشتات، فهذا من سكان البحر وسواحله، وهذا من سكان البر ومجاهله، ومن صفاتها أنها لا تتمكن من البطش إلا حين تشدّ، ولا تنطلق في شأنها إلا حين تعطف وترد؛ لها بنات أحكم تصويرها، وصحح تدويرها، فهي في لونها صندلية الإهاب، وكأنما صنعت لقوتها من حجر لا من تراب، فإذا قذفتها الأطيار قيل: ويصعد من الأرض من