مصر لأنها قد حظيت بسكناه، وغدت في بحرين من فيض البحر وفيض يمناه، فأصبحت تشمخ بأنفها، وتسمو بطرفها، وتجير من الأيام وصدفها، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، أو سيقت إليه الجنة بنضارتها وسرورها «١» :
[الكامل]
ما زلت تدنو وهي تعلو عزة ... حتى توارى في ثراها الفرقد
وقد كان منتهى أمل الأولياء أن تعود الضالة إلى ربها، وتفك الطريدة المغصوبة من يد عضبها، فأتى فضل الله بما لم يؤمله أمل الآمل، وعوض عن القطرة الواحدة بسحاب هاطل، وهذه نعمة يضيق عنها مجال القول المعاد، ويسرع بياضها في سواد الحساد؛ فلو غدت الجباه ساجدة، والقلوب حامدة، والأيدي ترفع الدعاء بادئة وعائدة، لما وفى ذلك بحقها، ولا أخرج الأعناق من عهدة رقها؛ وأحسن ما فيها أنها زارت على غير ميعاد، وحثت ركابها من غير سائق ولا حاد، وتخطت وقد ضرب دونها بسور من صدور الظبا ورؤوس الصعاد، فلم يكن لأحد فيها منة سوى الله الذي قرب بعيد أسبابها، وفتح مستغلق أبوابها، وأبرزها على حين غفلة من حجابها، فيجب على مولانا أن يختزنها بالإنفاق، وأن يقيدها بالإطلاق، وأن يقص أجنحتها لتظل طائرة في الآفاق؛ والمملوك في هذه الوصية كصيقل نصل له من جوهره صقال، وعاصر سحاب له من نفسه انهمال.
ومنه قوله في المجانيق:
ونصب المجانيق فأنشأت سحابا يخشى محلها، ولا يرجى وبلها، فما سيقت إلى بلد حي إلا أماتته، ولم تأته إلا أتاه أمر الله إذ أتته، فلم تزل تقذف