ليلعم أن قد كسر وطل دمه، والخادم ينهي أن وراءه بلادا شاسعة، ومدنا واسعة، وهو بعيد الأيام، ولا يمكنه طول المقام.
قلت: وسلك هذا النّسائي مع سلطانه مهمها يعزف الجن في بيدائه، وتضيع الريح في أرجائه، في يوم تتململ أفاعيه في رمضائه، وتسجن وحشه في فضائه، يذوب به حصا الآكام، ويلفح الوجوه أشواظ الضرام، وقد صرّ الجندب، وصكّ وجه الغدير الطحلب، وصح أن الصدى قد قام يبلغ والحرباء تخطب، ولا ورد إلا راكد الشراب، أو مورد كأنه هجر الأحباب، كأنما صب على وجهه الزيت الذائب، أو ذرّ الكبريت للشارب، لا يهنأ برده، ولا يسوغ ورده، فقال له سلطانه: صف ما نحن فيه، فقال على البديهة:[الرجز]
قذفت بالعبّس وجه المهمه ... رميت منه مشبها بمشبه
والشمس قد أذكت ضرام نارها ... لكنه في موقد من أوجه
والقفر خاف لا يبين طرفه ... واضحها للعين كالمشتبه
وجندب الأرض بها مبلغ ... وخاطب الحرباء كالمبتده
والورد لو يشرب عصفور به ... على فسيح غدره لم يروه
مقتّر مقدر مكدر ... تقصر عنه صفة المشبه
فاستحسن أبياته، وأجازه عليها بلدا بعمله.
وسايره وقد لمع برق فائتلق، كأنه غرة في أدهم أو أبلق، أو سلاسل من ذهب وما لها حلق، لا يني غمامه ينهمر انهمارا، ويلد إثر القطار قطارا، وهو يجلو الظلماء بضوء جبينه الشرق، ويمتد من أرجائه ذهب ثم يتحدر من حافاته ورق؛ فأمره أن يقول فيه، فقال:[الرجز]