باعتماد الواجب، مهيبا به إلى طاعة الإمام، وعارضا عليه تجديد الإسلام، أو الاستعداد للمصافّ، والرجوع إلى حكم الأسياف، فخيره بين هذين الأمرين، وحكّمه في أحد القسمين، وكلاهما عنده خطة خسف، ومورد حتف؛ فلما أبى إلا إصرارا على خطيئته، وإمرارا لحبل منيته وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ
«١» دلف إليه الخادم في كتيبة شهباء من جنود الإمام، مقنعة بالزرد المحبوك، محتفّة بالملائكة، محفوفة بالملوك، يتألق حديدها، وتتذامر أسودها، وتئن كالجبل العظيم، والليل البهيم، ضاربة رواقات العجاج، ممتدة الأطناب في الفجاج، وكأن ظللها ليل ولهاذم الرماح نجوم، ودخان الأسنة نار، والصوارم جحيم؛ وكأن رماحها آجال إلا أن الممنايا في أوائلها، وحديدها نار إلا أن المنايا تجول في مناصلها؛ ولم تزل ترجف وفوقها جيش من النسور والعقبان، ويدأب بين أيديها جيش من السباع والذؤبان، وأرثها شخص المنون وهو عريان، إلى أن وافى ذلك المخذول وقد جمع للّقاء، واستعد في جيش جم تضيق بهم قذف البيداء، قد استلأموا للقتال، واستلموا كعبة الضلال، إلا أن الله صب عليهم الخذلان، لما تراءى الجمعان، وبرز الكفر إلى الإيمان، فتلا الخادم عليهم:
«٢» ولم يكن إلا كنغبة خائف أو لمعة خاطف، حتى انجلت جند الله عنهم وهم كأعجاز نخل خاوية، وأصول ذاوية، لا يعرف لهم قتيل من دبير، ولا يفرق بين مأمور وأمير، وأنفذ الله حكمه في الطاغية، وعجل بروحه إلى الهاوية، وملك الخادم بلادهم، وحاز طريفهم وتلادهم، ونساءهم وأولادهم، وبادر بإنفاذ رسول مبشرا، وأنفذ معه رأسه وطبله وعلمه،