ندبه، ويجتني السمع ثمرات كل شيء من جنبه، ويعرف به الحلال والحرام، ويتصرف في أوامر ذي الجلال والإكرام، وإن أحق من ألقي زمام أحكامه إليه، من تفرد بما لديه، وفاز بسهم معلى من العلوم، وأخذ من فنونها بنصيب معلوم، دأب نفسه في تحصيل نفائسها، واجتلاء غرائسها؛ فكم من أحاديث نبوية يعرف السقيم فيها من الصحيح، والعدل من رجالها من الجريح، وعلم الرواية على تشعبها، والأسانيد وطرقها، في حالتي تسهلها وتصعبها؛ وكم تفاسير كشف حقائقها، ومشكلات تأويل أظهر تحسين إيضاحه طرائقها، وكم فروع مسائل أصّلها، وأصول فقه حواها وحصّلها.
وكنت أيها القاضي فلان، لك فخر بعلم علمها لا يباهى، وورع لا تماثل فيه ولا تضاهى، وإفادة ينصب الطلبة لاستفادتها، وتشره الأسماع لحسن إيرادها واستعادتها؛ فلذلك أعهد عليك في القضاء بمدينة كذا، وألق من علومك ما يلاقي من أجله ذوو الطلبة للاستفادة، واعلم أنك حصلت على السعادة الدنيوية، فاعمل على الأخروية، فإنها أعلى السعادة، واجر على عادتك [في] التحرز في الأحكام، وامض على سننك في الاحتياط في كل نقض وإبرام، وأرع يراعك كل ما يفتقر أن يرعى، وكل ما يجب أن يمعن فيه النظر عقلا وشرعا؛ ثم والعدول فلتعتبر أحوالهم، وألزمهم بكل ما هو أجمع وأحوى لهم، فبهم تؤخذ الحقوق وتقام الحدود، وهم أمناء الله في أرضه، حيث هم على خلقه شهود، ومن وصايا العلم في تحقيق مسائل الخلاف لك عناية، فها عادة لا تقطع، وعدة لا تستدفع، وهي للمكمل الأدوات، المبرز بجميل الصفات، تذكرة تبدؤك نصائحها، وتتضح لديك مصالحها، فخذها نصب عينيك وتجاه أمرك، وأدم إحضارها في قضاياك ومرورها على فكرك.