كتب للناصر داود بن عيسى «١» ، ووزر وجلس معه في صدر الإيوان والطرد، ونشأ وتأدب بالشام، وأومضت له بارقة كانت تشام، ثم صرف عن وزارة الناصر عنانه، ونفض منها بنانه، لأمور نقمها، وشرور خاف نقمها، وكان يحذر سوء خلائق مالكه، وتوعر طرائق مسالكه، فطالما أظلم جوّه، وأعتم دوّه، فتسلل منه بمخيلة ذبت في السراء، ودلت على الضراء، فخاف مساورة ذلك الأرقم، وترك مساقاة الشهد به خوفا من العلقم، وكان طود حجا وحجاج، وطوق جيد وحجاج، زينة إلى فصاحة شب على إرضاعها، وسماحة تولّى حفظ مضاعها، وبلاغة كانت حلية لنظامه، وحلة لإحلاله في الصدور وإعظامه؛ ووزر جدي رحمه الله بعده، ثم عاف تلك الدولة ففارقها في ليلة قمراء مسودة، لأمور ما هذا ميقات شرحها، ولا مرقاة صرحها؛ فأما ما لابن بصاقة:
* فمن نثره قوله:
وأما الأبيات الجيمية، الجمة المعاني، المحكمة المباني، المعوذة بالسبع المثاني، فإنها والله حسنة النظام، بعيدة المرام، مقدمة على شعر من تقدمها في الجاهلية وعاصرها في الإسلام، قد أخذت بمجامع القلوب في الإبداع، واستولت على المحاسن فهي نزهة الأبصار والأسماع، ولعبت بالعقول لعب الشمول، إلا أن تلك خرقاء وهذه صناع، فإذا اعتبرت ألفاظها كانت درّا منظوما، وإذا اختبرت معانيها كانت رحيقا مختوما، جلّت بعلوها عن المغاني المطروقة، والمعاني المسروقة، ودلت بعلوها على أنها من نظم الملوك لا السوقة، فلو وجدها ابن المعتز