ما لاصقه على الأكثر، وفي ضمن محاذاتها بالمجانيق، تخللنا حولها الأرض طرقا وأسرابا، وصيرناها إلى الخنادق أنفاقا وأبوابا، وصبر جنود الله حتى وصلوا بالحجارة إلى جدارها، فجاذبوا أذيال بنائها الشامخ، وحلوا عقد أساسها الراسخ، فتعلقوا بأبراجهم تعلق قرار لا لانتصار، ولاذوا بمعاقلهم لياذ رعب لا توهم اقتدار، وأذعنوا بلسان الاستعطاف فأجبناهم على أن يبقوا تحت أيدينا أسارى، وأغمدنا عنهم السيوف إلا من سبق في قتله السيف العذل، وأتاه الموت قبل تحقيق الأمان على عجل، وقد فتح الله على المسلمين حصنا كان عليهم وبالا، وحل عنهم من معقله عقالا، وخفف عن أعناق محاذيه من سوء جيرته أعباء ثقالا، ثم أمرنا بهدمها حتى عاد ما كان يرى منها شاهقا للعيان لا يكاد يدرك باللمس، وأصبحت خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس.
ومنه قوله:
فنصبنا عليها من المجانيق كل صائب سهمه، ثاقب نجمه، محرق لشياطين الكفر رجمه، يهد ويهدم، ويردي ويردم، ويوهي ويوهن، ويسر بإردائه ويعلن، لم تنصب عوامله على سور متصل إلا هدمته، ولا مدت أسبابه على مبنى رفع واستغلق بابه إلا كسرته، ولم يزل يرمي غاديتها بالقارعة، ويصمي أسماعها بأحجاره الطائرة الواقعة، وأقبلنا بالمجاهدين إليها، فأحاطوا بها إحاطة الخاتم بخنصره، والسوار بمعصمه، وأمطرنا عليها بسحب القسي وبلا غرقهم بدافق أسهمه، فتجلد أعداء الله وجلدوا، وتعاقدوا على الموت وتعاهدوا، وأرسلوا من جروخهم سهاما لا يردها رادّ عن الأجسام، ولا يكسر عينها ما تصم، الأعضاء من تظاهر الآلام، وإذا شوهدت راعت الناظر، فلم يدر أعمد هي أم سهام؟
وشفعوها بضمّ أحجار صمّت لها أسماع الدرق، وكسرت بها رؤوس البيض،