فشكر الله موقفه في تلك الدمن، ورقته التي قابل بها جفوة الزمن، ورأى هذا العهد الذي تمسكت منه الآن بحسب، ورعى له حق الدمع الذي جرى فقضى في الربع ما وجب، ومن للملوك بوقفة في رسومها، واسترواحة بنسيمها، وسقياها بدمعه، وتجديد العهد بمغناها الذي كان يراه بقلبه فأصبح وهو يراه بسمعه، ولقد علم الله أن الأحلام ما مثلتها لعينه إلا تأرقت، ولا ذكرتها النفس إلا تمزقت، ولا تخيلتها فكرة فاستقرت على حال من القلق، ولا جردتها الأماني لخياله إلا وراحت مطايا الدمع في السبق «١» : [الطويل]
ولا قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلا قال قلبي: آها
على أنه قد أصبح من ظل مولانا في وطن، وأنساه أنسه من خف ومن قطن، وشرف بخدمته التي تعلي لمن أخدمها منارا، واستفاد من الأيام التي أخذت منه درهما فأخذ عوضه دينارا، وأصبح لي عن كل شغل بها شغل، فاسأل فؤادي عني، وما ذكرت حبيبا إلا كنت الذي أعني:[الطويل]
وإن نظرت عيني سواك تلثمت ... حياء بأردان الدماء مع الدمع
ولو أني استطعت خفضت طرفي، ولو وصفت ما عسى أن أصفه من الشوق لكان الأمر فوق وصفي:[الطويل]
وإني في داري وأهلي كأنني ... لبعدك لا دار لدي ولا أهل
وعرف المملوك الإشارة إلى هذه السفرة ومتاعبها، والطرق ومصاعبها، والثلوج التي «٢» شابت منها مفارق الجبال، والمفاوز التي يتهيب السرى فيها طيف الخيال، والمرجو من الله تعالى أن تكون العقبى مأمونة، والسلامة فيها