بالرخصة دون العزيمة، ونعمل على ما لو تمثل لهم صورة لجرّوا منه ذيل الهزيمة، ونستر ما تسدده إلى نحورهم من سهم، ونريهم أنا ندفع في صدور الحقيقة بالوهم، ونعرض عن مناقشتهم في الحساب وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ
«١» ومتى لم يؤاخذ المسيء بفعله، ويعرف مقدار جهله، استدام طمعه، واستقام طلعه، وحركته دواعي الشره والشرة، وتخيل السلامة في كل مرة؛ فلم نزل نتربص بهم ريب المنون، ونترك منهم ما كان في جنب ما يكون، إلى أن آن إمكان الفرصة، وجمعنا لهم بين الشرقة والغصة، فأنفذنا إليهم المرمى، وأعددنا مسعانا في طاعة الله غنما، إذ كانت مساعي الملوك غرما، ووصلنا السير بالسرى، وطرقناهم كما يطرق الكرى، وأوطأناهم حوافر الخيل، وجئناهم مجيء السيل، وظللنا عليهم ظلل الغم، وغشيهم منا ما غشي فرعون وجنوده من اليم، مع كون مكانهم قد جمع لهم منعة البر والبحر، وحل منهم بين السحر والنحر، تصدّ الرياح الهوج عنه مخافة، ويرجع عنه الطرف حسيرا لبعد المسافة، فلم يكن بأسرع من أن فاجأناه، وحللنا بعرصته وهاجمناه، وأحاطت به رجال الحرب، وشافهته بخطاب الخطب، وعسكرنا بحمد الله قد ملأ الفجاج، واستعذب الأجاج، وقاسمهم الرماح، وأعطاهم الأسنة وأبقى الزجاج، يتعرض أبطاله المنايا وإن كانت عرضا، ويقول كل منهم: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى
«٢» . فلم يزل القتال ينوبهم وسهام المنون تصيبهم، وسحابها يصوبهم، والمجانيق تذلل سورتهم، وتسكن فورتهم، وترميهم بنجومها، وتصمهم برجومها، وتقذفهم من كل جانب دحورا، وتعيد كلا منهم مذموما مدحورا، وتشير إليهم أصابعها بالتسليم لا بالسلم، وفتنتابهم