ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ
«١» إلى أن فتحناها ولله الحمد عنوة، وحللنا مكائدهم فيها عقدة عقدة، ونقضناها عروة، وسطرنا هذه البشرى، وأعلام النصر قد خفقت عليها بنودها، وذلت لها علوج الكفرة وكنودها، والسيف من دمائهم يقطر، والصليب خزيان ينظر، والآذان مكان الناقوس، والقراء موضع القسوس، والكنيسة قد عادت محرابا، والجنة قد فتحت للمجاهدين فكانت أبوابا، وكنا نود أن يكون الولد معنا في هذه المشاهد، وأن ينظرها بعين المشاهد، وإنا لنرجو أن لا يكون ممن يستلين المرقد، وإن لم نحضره هذه الغزوة فيتأهب للأخرى فكأن قد.
ومنه قوله من كتاب كتبه إلى صاحب اليمن بفتوح طرابلس:
هذه الخدمة بما تسنى من فتوح طرابلس الشام، وانتقالها بعد الكفر إلى الإسلام، وهو فتح طال عهد الإسلام بمثله، وقدح فتّ في عضد الشرك وأهله، لم يجل أمره في خلد ولا فكر، ولا رقت إليه همة عوان من النوائب ولا بكر، مرت عليها الأيام والليالي، وعجز عنها من كان في العصر الخوالي، ولم تزل الملوك تتحاماها، وإذا خطرتها الظنون في بال تخشى أن تحل حماها، ولما أفضى الله إلينا أمر الملك، وأنجى بنا من الهلك، عاهدنا على أن نغزو أعداءه برا وبحرا، ونوسع من كفر به قتلا وأسرا، ونورد المشركين موارد الحرب المفضية بهم إلى الهرب، ونجليهم عن البلاد جلاء طوائف المشركين عن جزيرة العرب، فجئناهم وزلزلنا أقدامهم، وأزلنا إقدامهم، وبرزنا لشقائهم بشقاقهم، وسددنا عليهم أنفاق نفاقهم، وقصدناهم في وقت تجمعت فيه أشتات الشتاء، وطرق خفية المدارج، أبية المعارج، صيفها شتاء، وصباحها مساء، شائبة المفارق بالثلوج،