وبعد، فإن أولى ما عظم في النفوس، وازدانت به المحافل والطروس، الشرع الشريف، وبه زجر أهل الاجتراء والاجتراح، وتحقن الدماء وتستباح، ولهذا تعين أن لا يحل ذروته السنية، ورتبته العلية، إلا من انعقد الإجماع على أنه للولاية متعين، وأن موجب استخلاصه واختصاصه للمباشرة بين؛ ولما كان فلان هو العالم الذي ليس لفضله جاحد، والفقيه الواحد الذي هو أشد على الشيطان من ألف عابد، والذي عادل دم الشهداء مداده، وماثل البحر الزاخر مدده في الفضائل واستمداده، وباشر قضاء القضاة وقضاء العساكر المنصورة بالشام المحروس مدة متطاولة، وشكرت مباشرته المنصبين، وحكم بأهليته لما قامت البينة من خبره وخبره بشاهدين، وبرأت من عيون الأعيان إحكام الأحكام ولا أثرة بعد عين، وأبدع في تقريبه المسائل وتقريره وتحويره، وتحيّل حتى قيل: هو في العلو والعلوم شريك القاضي شريك، وبأنباء الشريعة المطهرة هو الخبير الذي ينبيك؛ وبلغنا أنه في هذه المدة حصل له في أثناء البحث ما أزعجه وأحرجه، وعن خلقه الرضي أخرجه، وامتنع من الحكم أياما، ولم يجر له في الأمور الشرعية لسانا ولا أقلاما، فاقتضى اعتناؤنا بالشريعة المطهرة، إشخاصه إلى بين أيدينا «١» ، واستعلام سبب ذلك يقينا، وأن نصرح له بتجديد توليه تولية مناصبه، وتأكيد رفعة يكف بها مناصبه.
ومنه قوله:
وينهي أن المشرف العالي ورد إليه فتنسم أرواح قربه، وأوجد مسرات قلبه، وأعدم مضرات كربه، وأبهجه الكتاب بعبير رياه، وألهجه الخطاب بتعبير رقياه،