فرأى خطه وشيا مرقوما، ولفظه رحيقا مختوما، ووجده مختوما على درر كلامية، وبشر منامية، وحديث نفس عصامية، نرجو من الله أن نشاهد ذلك أيقاظا، ونكون لأنبائه حفاظا
ومنه قوله يصف يادة النيل: وأقبل يعب عبايه، ويكاثر البحر المحيط انسكابه، ويطاوله وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ
«١» وأمر زيادته يعظم عن الشرح ويكبر، ومشاهده لقدرة الله فيه يتلو وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ
. «٢»
وقد تلقته البلاد تلقي المحب لحبيبه، والعليل المرتقب لطبيبه، وهو كلما حل بقعة صد صدا، وأجدى جدا، وكلما حباها بأصبع شكرت له يدا، وكان قد وصل في أثناء ذلك المفرد من الأعمال القوصية مخبرا بوفائه، واقتضى مذهبنا الشريف الحكم بخبر المفرد، والعمل بما عنه يروى وإليه يستند، ومع ذلك حصل التثبت إلى أن نقل هذا الأمر من الخبر إلى العيان، واستحق خليج مصر أن يفك عنه الحجر، ويجري مطلق العنان، ومن غرائب هذا البحر وإن كثرت فيه الغرائب ومنه الغرائب، أنّه كلما تكدر تتبسم له الثغور وتفتر، وأنه نيل أزرق وبصبغه تروق البلاد وتخضر، وسطرناها والخواطر الشريفة واثقة بسقيا أمنت من فوتها، والعيون ناظرة إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، والديار المصرية قد غدت للري في أكمل زي، وأبدت تموج الحلل وتبرج الحلي، وزهت حسنا بالزيادة في الحسنى، وتلا على ساكنها لسان الرحمة وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
«٣» فالمجلس يحمد الله لما أعاده على الوجود من إشراقه وأنسه،