شرفا، ولم يكن مثله في إعطاء كل مقام حقه موفّى، من غير زيادة ولا نقص؛ وذكر ملاحم الحروب على إفراط التهويل، في رقة الغزل، للطف تخيله، ودقة تحيله، واستعاراته، وغرائب تشبيهاته.
ومن نثره قوله في توقيع لابن جماعة، بتدريس المدرسة المجاورة للشافعي:
وهو يعلم أن ذكر هذه البقعة سار في الآفاق، جار على ألسنة الرفاق، قدر شامية الشام ونظامية العراق، وأنها جمعت من العلماء أعلاما، ومن الأمة أئمة، لولا شرف البقعة لتفرقوا في الأرض هداة وحكاما، فلا يقف في العلم عند غاية، وليجد في طلب النهاية، وإن لم يكن للعلم نهاية، وليمثل نفسه ماثلا بين يدي من نسبت إليه، ويقيم روحه مقام من جلس للقراءة عليه، وليبث ما استودعه من أسرار مذهبه ليسبر عنه من معدنه، وينقل الفضل إلى الأوطان من مظنته وموطنه، وليلق بها عصا السرى، فإنها منزلة لا ينوي من بلغها سيرا، وليحمد الله على ما وهبه من بضاعته، فإنه من يرد الله به خيرا. «١»
ومنه قوله في تقليد وزير:
وليبدأ بالعدل، فإن الله قدمه على الإحسان، وحلى بهما أيامنا، ويجانب الظلم وأهله، فإن الله أرهف بمحوه من الوجود سيوفنا وأقلامنا، ويقرنه بالإحسان، فإن الله رفع بهذا منار ملكنا وأعلى بذا أعلامنا، ويمد خزائن الأموال بمكنون تدبيره، ويعد لمهمات الدولة القاهرة ذخائر تصرفه الجميل وحسن تأثيره، وليزن ذلك بالرفق، فإنه مع الخبرة أجدى من العنف وأجدر، وإذا رام المنبتّ بلوع الغاية، فإن المتثبت أقوى منه على ذلك وأقدر، فإن النماء مع العدل كفرسي رهان، وليس الخبير من حصل الأموال بالظلم بل من حصلها والحق عزيز