للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ملك الاسكندر فزاد في بنائها، وأطال في منارتها [١] وجعل فيها مرآة كان يرى منها مراكب العدو عن بعد، فإذا صارت بإزائها، وصدمها شعاعها أحرقها كما تحرق المهاة في الشمس ما قابلها من الخرق، وإن لم تتصل بها، فسميت الاسكندرية من حينئذ، وكان اسمها قبل ذلك وقوده، وبذلك يعرفها القبط في كتبهم القديمة.

وأقامت المرآة على ذلك زمانا، وشق ذلك على الروم، فاحتال حكيم من حكمائهم بأن وافق متملكهم على أن يبعث أموالا مع أصحاب له، فيدفنونها في مواضع متفرقة (المخطوط ٢٤٦) من ثغور الإسلام، ثم عادوا بعد دفنها فصنع كتاب مطالب ذكر فيه المواضع وختمه بأن تحت المرآة التي في منارة الاسكندرية كنزا لا يحصى ما فيه من الأموال، وعتق ذلك الكتاب، ودفعه إلى إنسان ذكي، وأمر أن يسير به إلى بلد بلد، وأن يكون قصده إلى السلطان، كل بلد فيعرفه ما في ذلك البلد، ويخرجه، ويأخذ منه جزءا [٢] يسيرا واتصلت الأخبار إلى سائر الثغور بذلك، فكان سلطان كل بلد ينفذ إليه من يتسلمه بعد أن يحضر أخراجه الكنز في البلد الذي هو فيه، فلم يزل إلى أن وصل إلى الاسكندرية، فقال لملكها ما قال في المرآة، وقال له: إذا قلعتها وأخذت الكنز أنا أردها إلى أفضل ما هي عليه الآن، فأجابه، وقلعت المرآة وشرع في هدم ما تحتها وانسل الإنسان ونزل ونزل تلك الأموال التي أخذها من الكنوز المتقدمة ليطمسوا ولا يجدوا في طلبه، وفاتهم، وحفروا فلم يجدوا شيئا، فعلموا أن ذلك كله كان حيلة على قلع المرآة، ولم يقدروا على ردها لأن واضعيها كانوا حكماء قد نصبوها بطالع مختار، واختلف الناس في هذا القول فمنهم من ذكره، ومنهم من ذكر غيره.


[١] منارة الإسكندرية المشهورة إحدى عجائب الدنيا السبع كانت خرائبها لا تزال موجودة حتى عصر المؤلف والآن لم يصبح لها وجود.
[٢] وردت بالمخطوط جزاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>