للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطرائفيين وقد رأت مكروهها، وكل براعة دهماء وقد ابيض بالنار فودها، فلذلك سودت الدوي وجوهها، وغادر كل دكان دكا، فأوسع قوائم العمد وأضلاع السقوف كسرا وفكا، وأقعد بيت الساعات إلى قيام الساعة، ودخل إلى باب الجامع لكن لغير طاعة، وكاد يصلى به من يصلي، ويقبل على صف العابدين فيولي، واهتزت المئذنة بحمى نافض، وتشعث وجه المشهد الأبي بكري، فكأنما أصابته عين الروافض، وترقرقت عيون العابدين من الألم، ورقّ صحن الجامع لمأتم هداة الساجدين من المئذنة بنار على علم، وما زالت مراءات اللهب حتى خربت المنار، وصف بعد ذلك في صحن الجامع ما فضل عن أكل النار، فيا لها داهية عمت المسلمين، ومصيبة سودت وجه الدنيا فبيض الله وجه الدين، وواقعة لها اقتربت الساعة، وقارعة لولا المعوذات لما قبلت فيها شفاعة، ويا لها عينا دخلت على هذه الأسواق فحلت، ويدا استجدت منها محاسنها فأعطتها وما تخلت؛ كانت لعمارتها رمانة فأمست جلنار، وكانت محاسنها ليس عليها غبار، فأصبحت لا تعرف من الغبار، وما سكت لهذه النار لسان، ولا خفي لها شخص ولا عيان، ولا نشفت الدموع التي أطفأتها، ولا بردت ضلوع القياسير التي دفأتها، حتى طلعت شمس الفتنة من غربها، وتعالت أصوات النائبة عن قربها، وأتى النقص من جهة الزيادة، وسعى الداء بما وسع العيادة، فصار سوق الكفت كفاتا، وسوق الخام رفاتا، وخرجت قيسارية القاس عن القياس، وتوارد الإياس والرجاء في أمر البلد بمجموعه ولكن غلب الإياس، فركب المملوك بنفسه ومن عنده من الأمراء، وبأيديهم أسلحة المعاول، وعلى عواتقهم لقطع عنق النار سيوف الجداول، فكم من رأس داسته النار دوسا، وكم من قدّ وقوس تصرفت فيهما، فصار القوس قدّا والقدّ قوسا، وكم من أوتار أخذت منها الأوتار، وكم من سهام نفذت لها في قلب الإسلام كما شاء

<<  <  ج: ص:  >  >>