الكفار، وكم من حلقة انفضت، وكم من عين بيضاء اسودت، وعين سوداء ابيضت، وكم من لجام دخل فيه لسان النّار فلاكه، وكم من بحر سرج رمى عليه اللهب شبكه فأكل أسماكه، وبقي المملوك كلما دار إلى دار سبقه إليها المقدار، أو أشار إلى دكان تداعت منها الأركان، هذا والصاغة تعوذ عين ذهبها من عين لهبها، والمئذنة ترجف فرائص تختها من مصرع أختها؛ وتدارك الله الحال بلطفه، ومن بإطفاء ذلك الحريق، ولولا منّه لم نطقه ولم نطفه؛ ولم تقتصر الحال على هذين الحريقين، بل تتابع بعدهما لهما أمثال، وما يشك المملوك في صدق ما أشار إليه مولانا من تلك الحكايات، وضربه من الأمثال، فإنه ما يسعر هذه النار إلا عدوّ أزرق، ومن أحرق قلبه بحريق جانب من معبده فلا غرو إذا أحرق.
ومنه قوله:[الكامل]
يا سادة نزحوا دموعي عندما ... نزحوا وعهدي منذ ذلك عام
أو ما وجدتم ريّ دمعي عندما ... وافاكم من ناظريّ غمام
«١»
كيف اعتقدتم سلوتي عن ذكركم ... أيطيب إلا بالكمال كلام
ها أنتم في ناظري ما دمت يق ... ظانا وتجلوكم لي الأحلام
أشجى فراقكم دمشق فغصنها ... قلق إذا ناحت عليه حمام
ونزلتم الشهباء فاختالت لأن ... علمت بأن النازلين كرام
طابت بكم ويطيب كلّ حمى غدا ... يعزى لإبراهيم فيه مقام
وينهي ورود مثاله الكريم، بعد أن وجد عن بعد ريحه، وشام برقه العالي، قبل أن يأتي قميصه بالبشرى الصريحة، وأحسن الخاطر بسروره الزائر، وإن كان ما كل روايات الخواطر صحيحة فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ: هذا مِنْ فَضْلِ